السمان والخريف نجيب محفوظ pdf
الزيارات:

Jaghoub | 12:18 AM |

قول الكاتب رجاء النقاش عن الرواية: بعد أن أصدر نجيب محفوظ ثلاثيته «بين القصرين، قصر الشوق، السكرية » كنتمن الذين يعتقدون أن نجيب محفوظ انتهى وأدىرسالته، ولست أدرى بالضبط من أين جاءنى هذا الاعتقاد، ولكنه على أى حال كان اعتقادًا يعيش فى حياتنا الأدبية كما تعيش «الإشاعة القوية ».. بل ما زال هناك من يقول بهذا الرأى إلى الآن. أما أنا فقد تغير هذا الاعتقاد فى نفسى منذ أن بدأت أتابع إنتاج نجيب محفوظ بعد الثلاثية، لقد أدركت أن شيئًا جديدًا يولد فى قلب هذا الفنان وعقله، وأن هذا الشىء آخذ الظهور يوما بعد يوم فى أدبه. ولم يكن هذا الشىء الجديد واضحا أمامى عندما قرأت روايته اللص والكلاب ولكنه ازداد وضوحًا ودقة بعد أن قرأت روايته التالية السمان والخريف.
لقد تطور نجيب محفوظ فى أسلوبه وتطور فى نظرته إلى الحياة وموقفه منها. ولم تعد الكلمات عنده تحمل معنى واحدًا محددا كما كان الأمر فى إنتاجه القديم. بل أصبحت كلماته تعكس كثيرًا من المعانى فى النفس، كأنها كلمات شعرية مليئة بالظلال والإيحاءات، وذلك كله على عكس أسلوبه القديم الذى كان فى معظمه أسلوبا تقريريًا خاليًا على التقريب من روح الشعر. على أننى أود أن أتناول هنا نقطة رئيسية فى تطور نجيب محفوظ، راجيا أن تكون مظاهر التطور الأخرى مجالا للدراسات التالية. هذه النقطة الرئيسية هى أن نجيب محفوظ قد انتقل من النزعة الطبيعية التى سيطرت على إنتاجه حتى الثلاثية إلى شىء جديد لا أجد اصطلاحًا نقديًا ينطبق عليه بدقة، ولكننى سأسمح لنفسى بأن أسميه باسم «الواقعية الوجودية » وهذا التطور من الناحية الفنية قد حمل معه تطورا آخر يسير إلى جانبه وينبع منه. فقد انتقل نجيب محفوظ من المحلية وبدأ يخطو خطوات أولى فى طريق المشكلة الإنسانية العامة وبعبارة أخرى بدأ يسير فى طريق «النزعة العالمية .»
ولنقف قليلا لنتأمل بوضوح أكثر معنى هذا التطور. فالمرحلة الأولى فى أدب نجيب محفوظ والتى انتهت بظهور الثلاثية هى المرحلة التى التزم فيها نجيب الاتجاه الطبيعى، كان نجيب فى هذه المرحلة يرسم أبطاله رسما تفصيليا لا يترك كبيرة ولا صغيرة تتصل بهم دون أن يسجلها. كان يرسمهم من الخارج. ويكاد يحدد طول الشخص ووزنه وتركيبه العضوى الدقيق، وهو بعد ذلك يرسمهم من الداخل فيحدد تركيبهم النفسى، كأنه فى أحد المعامل الكيميائية يحلل المواد إلى أصولها الأولية، ويحدد نسب العناصر المشتركة فى تركيب هذه المواد.
ففى رواية السمان والخريف نجد شخصيات يرسمها نجيب محفوظ رسما عابرا دون أن يهتم بالتفاصيل والجزئيات، فزوجة عيسى بطل الرواية لا تستغرق من اهتمامه أكثر من بضع صفحات. ولو أن هذه الشخصية النسائية، الثرية، العاقر، نصف المثقفة، التى تزوجت أكثر من مرة.. لو أن هذه الشخصية وقعت فى يد نجيب محفوظ أيام كان يكتب «زقاق المدق » أو «بداية ونهاية » لتفنن فى عرضها وتقديمها ومتابعتها فى كل تفاصيل حياتها اليومية الدقيقة وفى أحوالها النفسية المختلفة وطريقة اجتذابها للرجال وتعويض ما لديها من نقص ولكن نجيب فى «السمان والخريف » وقد مر على هذه التفاصيل كلها مرا سريعًا بحيث أنك تخرج من الرواية وقد نسيت كل شىء عنها، ما عدا أنها تمثل فرصة من فرص بطل الرواية للتغلب على أزمته.
وهكذا ينتقل نجيب من النزعة الطبيعية ويبتعد عنها، وهو فى الوقت نفسه ينتقل من الاهتمام بالتفاصيل إلى الاهتمام بالمشاكل الكلية العامة، ويتحول من ذلك الفنان الذى كان همه أن يعطينا أدق صورة للبيئة المحلية التى نعيش فيها، إلى فنان يعرض ويناقش مشكلة إنسانية عامة، تعنى البيئة المحلية كما تعنى البيئة الإنسانية كلها. وهذا هو ما أعنيه بانتقال نجيب محفوظ من المحلية إلى العالمية فى الوقت الذى ترك فيه مذهب الطبيعيين وبدأ يبحث لنفسه عن عالم جديد مختلف.
فالمشكلة التى يعالجها فى «السمان والخريف » لها شكلها المحلى الخاص.. ولكن هذا الشكل لا يعدو أن يكون طلاء خارجيًا لمشكلة إنسانية عميقة تهز عصرنا كله، تلك هى مشكلة الإحساس بالغربة أو عدم الانتماء أو الإحساس بأن الإنسان ضائع مطرود من هذا العالم.[3]


 للتحميل 


انضم ل معرض الكتب 

 
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Post a Comment